مقدمة

يتميز المغرب بسياق مناخي يطبعه غياب الانتظام على مستوى الزمان والمكان. فعناصر المناخ غير ثابتة، بل متغيرة زمنيا حسب الفصول والسنوات، وخاصة بالنسبة للتساقطات المطرية والثلجية. أما مكانيا، فالتنوع الطبيعي يؤثر بشكل أو بآخر في تباين مفعول عناصر المناخ.

خصائص مناخ المغرب

إن موقع المغرب في العروض شبه المدارية الانتقالية يجعله أكثر عرضة للتغايرية المناخية ولظاهرة الجفاف. فهو يقع عند ملتقى تأثيرات ثلاثة مختلفة الأصول، تجمع بين البحر المتوسط شمالا والمحيط الأطلنتي غربا والصحراء جنوبا وبالجنوب الشرقي. وتتولى السلاسل الجبلية بالريف والأطلس والسهول الغربية دور توزيع هذه التأثيرات، كما أن هذه الأخيرة تسود تارة وتمتزج أو تتعارض تارة أخرى لتولد تنوعا في المناخ بمختلف جهات البلاد.

ويمكن تصنيف مناخ المغرب ضمن المناخ الجاف والشبه الجاف، حيث تطغى عليه سمات الجفاف أكثر من الرطوبة، ظاهرة تبدو مألوفة في الوضعية الهيدرومناخية، حيث يشكل الجفاف مظهرا طبيعيا مألوفا في مناخ المغرب، نظرا لكون التساقطات السنوية تكون في الغالب أقل من المعدل، بحكم أن تردد سنوات الجفاف يفوق بمرة ونصف تردد السنوات الممطرة.

يشكل الموقع العرضي والكتل الهوائية عاملين رئيسيين يفسران التباين المناخي القائم بين المنطقتين الشمالية والجنوبية من المغرب، كما يساهم في تنوع الخصائص المناخية عاملان آخران هما: علو التضاريس والقرب أو البعد من البحر.

 

 تأثير الموقع العرضي :

إن الامتداد العرضي الشاسع يؤثر في تحديد خصائص مناخ المغرب، سواء من حيث توزيع كمية الأمطار أو درجة الحرارة. فبحكم موقعه بين خطي عرض °21 و °36 شمالا، فإنه ينتمي إلى العروض الشبه المدارية. وأيضا تواجده في منطقة انتقالية بين نطاقين مناخيين كبيرين: النطاق المعتدل في الشمال والنطاق المداري الحار في الجنوب.

في الفترة الرطبة، يتلقى المغرب كتلا هوائية باردة و رطبة مصدرها المنطقة المعتدلة شمالا. وفي السنة العادية يمر على البلاد من 15 إلى 20 اضطرابا جويا رطبا. في معظم الحالات لا تمس هذه الاضطرابات كل التراب الوطني، بل تقتصر أكثر على المناطق الشمالية والشمالية الغربية والوسطى، ونادرا ما تهم المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية.

وفي الفترة الجافة، يتعرض المغرب لتأثير كتل هوائية حارة وجافة أو رطبة قادمة من المنطقة المدارية جنوبا. و يتمخض عن تمركز المرتفع الأصوري قبالة السواحل المغربية، طقس مستقر معتدل في المناطق الساحلية وحار داخل البلاد. أما الكتل الصحراوية الجافة فإنها تكتسح الشرق و الجنوب، بل وفي حالات متعددة تتوغل نحو الشمال الغربي متجاوزة حاجز سلسلة الأطلس.

تلعب التضاريس دورا رئيسيا في تحديد خصائص مناخ المغرب وتباينه الجهوي من منطقة لأخرى، فانتصاب السلاسل الجبلية وسط البلاد، أدى إلى خلق مجالين مختلفين : المغرب الشمالي الغربي المنفتح على الرياح الممطرة، والمغرب الشرقي والجنوبي الخاضعين للتأثيرات الصحراوية. فالجبال تشكل حاجزا طبيعيا رئيسيا يحد من تسرب الكتل الهوائية الباردة والرطبة الآتية من المحيط في اتجاه شرق وجنوب السلسلة الأطلسية، كما تحد من توغل الكتل الهوائية الحارة والجافة نحو الشمال الغربي.

وبحكم الموقع الجغرافي للمغرب، فإنه ينفتح بشكل واسع على المؤثرات البحرية المتوسطية في الشمال، والمحيطية الأطلنتية في الغرب. هذه المؤثرات تساعد على اعتدال المناخ بالمناطق الساحلية، حيث تقوم بتلطيف درجة حرارة فصل الصيف، والتخفيف من قساوة برودة الشتاء. لكن كلما ابتعدنا عن السواحل وتوغلنا شيئا فشيئا داخل البلاد تضعف التأثيرات البحرية، حيث تزداد ظاهرة القارية.

 

تبعا للعوامل الجغرافية المؤثرة في مناخ المغرب، يمكن تقسيم التراب الوطني من حيث التفاوت المناخي إلى أربعة نطاقات مناخية. ففي الشمال والشمال الغربي، نجد النطاق الرطب والشبه رطب. وفي الشرق والجنوب الشرقي، يمتد النطاق النصف القاحل والقاحل ثم الصحراوي. ويتميز كل واحد من هذه النطاقات بخصائص مناخية معينة.

 

1- النطاق الرطب والشبه رطب:

يشمل هذا النطاق تقريبا كل المناطق الواقعة أقصى شمال وغرب سلسلة الأطلس، ويتمركز المناخ الرطب بالخصوص فوق القمم العليا، وبالضبط في مناطق مختلفة من سلسلة جبال الريف (اكتامة وباب برد وزومي وشفشاون …)، إضافة إلى نقط أخرى بسلسلة الأطلس المتوسط والكبير. أما المناخ الشبه رطب، فيسود بالأخص ربع الشمال الغربي من البلاد باستثناء المرتفعات العليا.

ويمكن اعتبار النطاق الرطب، أكثر النطاقات حظا من حيث التساقطات المطرية والثلجية، وخاصة بقمم الريف والأطلس. إذ تتراوح التساقطات المطرية بهذا النطاق في سنة عادية ما بين 600 ملم عند السهول الساحلية وأكثر من 200 1 ملم عند القمم العليا

أما تساقط الثلوج، فيهم المرتفعات التي يزيد علوها عن 500 1 م. ويتراوح سمك هذه الثلوج في فصل الشتاء ما بين نصف متر ومترين .

فيما يخص درجات الحرارة فهي معتدلة عموما، لكنها تنخفض بشكل ملموس في فصل الشتاء، إذ قد تنزل أحيانا عن الصفر، وترتفع في فصل الصيف ، بحيث تتجاوز 30° بالمناطق البعيدة عن السواحل.

أما النطاق الشبه رطب تساقطات مطرية فهو أقل أهمية من النطاق الرطب، بحيث تتراوح ما بين 400 و 800 ملم/السنة

وتكون درجات الحرارة خلال فصل الشتاء بهذا النطاق منخفضة، أدناها يسجل في شهري دجنبر ويناير، أما أقصاها فيسجل في فصل الصيف. أحيانا تتعدى الحرارة 35 ° .

2- النطاق النصف قاحل :

يهم هذا النطاق المناطق الذي يقع شرق الريف والأطلس وجنوبه، على مساحة تقدر بـ 000 100 كلم2 ، وهو ما يمثل نسبة 14 % من مجموع مساحة التراب الوطني.

ويتشكل هذا النطاق من وحدة جغرافية يغلب عليها طابع القحولة، ما عدا الواجهة الساحلية التي تتعرض لمؤثرات متوسطية. لكن كلما توجهنا نحو الجنوب يزداد المناخ جفافا حيث التساقطات المطرية لا تتجاوز 400 ملم، و فيما يخص درجات الحرارة، فهي متوسطة في فصل الشتاء وجد مرتفعة في فصل الصيف، تقل عن 30° عند السواحل وتزيد عن 40° في اتجاه الجنوب الشرقي.

 

3- النطاق القاحل و الصحراوي:

يمتد هذا النطاق على كل الأقاليم الصحراوية الجنوبية، حيث يغطي مساحة شاسعة تصل إلى 80 % من إجمالي مساحة البلاد. إذا ما استثنينا، الشريط الساحلي الصحراوي الذي يتميز بمناخ مداري معتدل، كما يعرف هذا النطاق هبوب رياح غربية بحرية وأخرى شرقية (الشركي)، إضافة إلى الزوابع الرملية.

ويشهد هذا النطاق تساقطات مطرية جد ضعيفة، بحيث لا تزيد عن 100 ملم في سنة عادية وتقل عن 30 ملم في سنة جافة.

وتكون درجات الحرارة بهذا النطاق متوسطة شتاء، لكن في فصل الصيف ترتفع بشكل كبير لتفوق 40° في النهار وتقل عن 30° ليلا. كما تلعب رياح الشركي دورها في هذا الارتفاع.

إن موقع المغرب في العروض شبه المدارية، جعله يتأثر بخليتين رئيسيتين ودائمتين للضغط المرتفع. ويراد هنا بالمرتفع الآصوري على السطح، والمرتفع الصحراوي في الأجواء المتوسطة والعليا. وكلتا الخليتين الضغطيتين، تساهمان في الاستقرار الجوي وفي الجفاف. فهما يشكلان أهم الآليات الجوية المتحكمة في تطور الدورة الهوائية بالمغرب.

دينامية مناخ المغرب

إن أغلب التساقطات التي تهم الجزء الشمالي من البلاد، يكون مصدرها المنخفض الآيسلاندي، و الذي يتمركز قرب جزيرة إيسلندا في أقصى شمال المحيط الأطلنتي داخل العروض شبه القطبية. وهو عبارة عن خلية ديناميكية دائمة تتشكل نتيجة التقاء الرياح والكتل الهوائية القطبية الباردة جدا بالرياح الغربية ذات الهواء المداري البحري الدافئ.

في فصل الشتاء يتسع مجال المنخفض الإيسلندي شرقا نحو وسط أوربا، وجنوبا نحو سواحل شبه الجزيرة الإيبيرية. وفي هذه الحالة، تقوم هوامشه الجنوبية بتوجيه تيارات هوائية قطبية محيطية نحو المغرب، الشيء الذي يتسبب في طقس مضطرب وممطر قادم من الغرب أو الشمال الغربي. أما في فصل الصيف، ينكمش هذا المنخفض وفي الوقت نفسه يزداد ويتقوى مفعول المرتفع الآصوري.

حيث يتمركز المرتفع الجوي الآصوري قرب جزر الآصور في العروض شبه مدارية ما بين 20° و 45° شمالا. ويغطي مساحة شاسعة فوق المحيط الأطلنتي الشمالي. ويمتد من السواحل الغربية للبرتغال شمالا، إلى السواحل الموريتانية جنوبا، ثم جزيرة برمودا غربا. وتنشأ هذه الخلية الضغطية شبه المدارية بفعل هبوط الرياح العمودية من الأجواء العليا. وتتقوى قاعدتها السفلى على السطح بالتيار البحري البارد لجزر الخالدات.

يشكل في الغالب المرتفع الآصوري حاجزا هوائيا يحول دون تسرب الاضطرابات الممطرة نحو المغرب، مما يتسبب في استقرار الجو. لكن أحيانا، وحسب وضعه الجغرافي وشكل امتداده بإمكان المرتفع الآصوري أن يخلق ظروف ملائمة لنشوء طقوس مضطربة وممطرة.

خلال فصل الشتاء، ينزح المرتفع الآصوري نحو الجنوب أو الجنوب الغربي فاسحا المجال لدخول الكتل الهوائية الباردة والاضطرابات القطبية إلى أجواء البلاد. أما صيفا، فإنه يصعد نحو العروض المعتدلة الشمالية صيفا، فتغزو البلاد كتلا هوائية مدارية حارة وجافة، ويصبح الطقس حارا وجافا. و " هو ما يجعله على هامش الدورة الهوائية الغربية الممطرة التي تسود في العروض المعتدلة. لذا، فإن استقرار هذه الخلية فوق أجواء البلاد يحول دون دخول الاضطرابات الممطرة المتجهة نحو المغرب .

يتمركز المرتفع الجوي الصحراوي في الأجواء المتوسطية والعليا على علو يقدر بحوالي     500 1م. فهو عبارة عن خلية ذات أصل ديناميكي مرتبطة بنزول الرياح وبحركات التيار النفاث شبه المداري. ولهذا المرتفع دور في تطور أحوال الجو، بحيث يغطي أجواء البلاد في أغلب فترات السنة.

في فصل الصيف، تتسبب هذه الخلية الضغطية في استقرار الجو. فهي تشكل حاجزا هوائيا يمنع تسلل الاضطرابات الممطرة إلى أجواء البلاد. وفي نفس الوقت، تقوم بتوجيه كتل مدارية قارية على شكل هواء جاف وحار جدا. وفي معظم الحالات، تغطي هذه الخلية صيفا، الشمال الغربي للقارة الإفريقية وحوض البحر المتوسط.

خاتمة:

يظل علم المناخ لحد الآن، عاجزا عن تفسير العوامل التي تكون وراء الاستقرار المطول لللآصوري والصحراوي فوق أجواء البلاد. كما يصعب عليه التنبؤ بظاهرة الجفاف قبل حدوثها. فهناك مجموعة من الآليات والميكانيزمات الجوية يصعب فهمها وتحليلها، نظرا لتداخلها وارتباطها بحركات الدورة الهوائية العامة لكوكب الأرض.

الشيء المؤكد، هو كون المناخ العالمي يعرف تغيرات كبيرة، من المرجح أن تكون ناتجة عن تراكم الغازات الدفيئة بالغلاف الجوي. والمغرب يدخل ضمن الدول المعنية بهذه التغيرات. "… فمنذ عقد الثمانينات، تواترت حالات الجفاف بشكل غير معهود ؛ وهذا التطور في حالات المناخ بالمغرب ما هو إلا أحد وجوه التغيرات المناخية في العالم .

للمزيد من المعلومات، شاهد الشريط التالي: